ورحل الأديب ((أنيس منصور )) عن عمر 78 عاماً

كتبت - أماني ماهر
"اعمل..اعمل.. ولو لم يكن هناك أمل في النجاح!" هذا هو مبدأه الذي كان يتبعه فقد نجح إلى الحد الذي أصبح به كاتب المليون قارئ، أنيس منصور حيويته لم تخمد، وتعطشه إلى المعرفة لا نهاية له فهو طائر بين السماء والأرض طائر بين الناس في كل كتاب يكتبه، أصابعه دود قز يحوّل أوراق التوت إلى حرير، كان يعشق القراءة ويقرأ كل ما يمكن قراءته لدرجة أن قراءته اقتربت فى الثمانينات من الستين ألف كتاب... ها هو اليوم فى ذمة اليوم في ذمة الله بعد ثمانون عام من العطاء والكتابة.

صراع مع المرض
توفي اليوم الجمعة الكاتب الكبير أنيس منصور عن عمر يناهز 87 عاما وذلك بعد معاناته من التهاب رئوي إثر وعكة صحية.

ونتيجة لدأبه المستمر على العمل وإصراره على الجد والتعب و العمل لأكثر من 8 ساعات يوميا خلال الأيام القليلة الماضية نظراً لحرصه على إتمام كتابة مذكراته تسبب ذلك في إصابته بشرخ في العمود الفقري حيث كان يعاني من ضعف في الفقرات الأمر الذي أدى لتناوله عدداً كبيراً من العقاقير الطبية التي جعلته لا يتناول الطعام وتسببت في إصابته بالتهاب رئوي وضعف عام في المناعة.

محاولات انتحار
حاول منصور الانتحار مرتين، إحداهما حينما تفوق في الثانوية العامة وحصل على المركز الأول ولم يهنئه أحد، خاصة وأن والديه كانوا مرضى في ذلك الوقت وحينها ذهب للانتحار من أعلى الكوبري. والمرة الأخرى حينما بلغ من العمر 27 عام وتعمق في دراسة الفلسفة وشعر حينها أنه لا معنى لوجوده وقرر وقتها الانتحار .

آراء فعالة
كان له نظرية ورؤية واضحة تجاه التعليم فى مصر فى و هو أنه سبب كل التدهور الذي نعانيه، ولتطوره يجب أن يصدر قانون بقرار جمهور عن سياسة موحدة للتعليم لا تتغير بتغير الوزراء ، ضرورة وجود سياسة منظمة يسير عليها وزراء التعليم، عكس ما موجود الآن بتطبيق كل وزير النظام الذي يروق إلى سياسته.

وعن التطبيع مع إسرائيل كان دائماً يوضح بأن العلاقة بيننا وبين إسرائيل تقتصر في الأمور السياسية واسترداد الأراضي المحتلة، لكن هناك علاقات تجارية يجب أخذها في الاعتبار على حد قوله، فهناك مصالح مشتركة بين البلدين وإن كان الحاجز النفسي موجود لكن التطبيع أصبح مقتصرا على رجال الأعمال والحكومة ومعاملات الدولة الرسمية.

وقد أشاد منصور بحرية الصحافة ومساحتها في هذا الوقت عن ذي قبل فأنه قد تعرض في كثير من الأحيان لمنع مقالاته والكاريكاتير وغيره.

وألقى منصور في مقالاته الضوء على واقع القضية الفلسطينية, وعلق على نجاح حماس فى الانتخابات ورأى أن اختيار الشعب الفلسطيني لحماس‏, يعنى انه اختار الكفاح المسلح‏، وأكد الكاتب أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية تتلاقى على حساب القضية الفلسطينية.

وعن الكراهية بين المسلم والمسيحي فقال منصور أنها قديمة وأكد أنه من الضروري أن تكون مهمة الدولة علاج ذلك من خلال التربية الدينية والاجتماعية و تهذيب هذه المشاعر واحترام الدين واحترام الكنيسة أو المسجد وأكد أن هناك أيضا كراهية بين السنة والشيعة وكراهية بين الأرثوذوكس والكاثوليك والبروتستانت وكانت هذه الكراهية سببا لحروب كثيرة في الماضي.

وأوضح في مقالاته أن ما يحدث ليس بسبب تغيير في طبيعة المصريين. وإنما هي طبيعة التعصب الديني، والخلافات ليست بين المصريين كمصريين. وإنما بين دينين مختلفين وانه طالما هناك تعصب فهناك اضطهاد، المسلمون بحكم أنهم أغلبية في يديهم كل شيء، والأقباط بحكم أنهم أقلية يفتقدون للكثير، ورغم أن المسيحيين مجتهدون جدا ويعرفون إنهم ليس لديهم سند فلا يحاولون الوقوع في الغلط، وهناك مهن كثيرة جدا يحتكرونها مثل الصيادلة والأعمال التجارية.

أرقام قياسية
واختارته الإحصاءات الكاتب الأكثر انتشارا في مصر منذ الستينيات. واختارته جريدة الأهرام في إحصائها الشامل، بأنه يعتبر كاتب المقال القصير الأول في مصر، وكاتب المقال الأدبي الأول أيضا، كما إن كتبه تسجل دائما أرقاما قياسية في أرقام التوزيع، وكميات الطبع، بل وإعادة الطبع.

اطلع أنيس منصور على كتب عديدة في هذه اللغات وترجم بعضا من الكتب والمسرحيات نذكر منها، رومولوس العظيم, زواج السيد مسيسبي, هي وعشيقها, أمير الأرض البور, مشعلوا النيران , من أجل سواد عينيها , فوق الكهف , تعب كلها الحياة , وسافر أنيس منصور ودار الدنيا في كل اتجاه، فكتب الكثير في أدب الرحلات، وربما كان الأول في أدب الرحلات، وألف كتبا عديدة نذكر منها, حول العالم في 200 يوم, بلاد الله لخلق الله – غريب في بلاد غريبة, اليمن ذلك المجهول, أنت في اليابان وبلاد أخرى, أطيب تحياتي من موسكو, أعجب الرحلات في التاريخ, وكتابه حول العالم في 200 يوم هو الأكثر انتشارا باللغة العربية, وفي فترة من الفترات كانت كتابات أنيس منصور في ماوراء الطبيعة هي الكتابات المنتشرة بين القراء والمثقفين، ومن أشهر كتبه في هذا المجال الذين هبطوا من السماء، الذين عادوا إلى السماء، لعنة الفراعنة.

عدو المرأة
أبدع أنيس منصور في كتاباته المشاكسة عن المرأة للدرجة التي جعلته يوصف بعدوها وعلى الرغم من ذلك أحبته معظم النساء وعلى الرغم من كل أقواله فأنه أهدى كتابه " في صالون العقاد كانت لنا أيام " إلى زوجته السيدة رجاء منصور في كلمات تحمل معاني جميلة وهى " غالى التي لولا تشجيعها ماكان السطر الأول في هذا الكتاب ولو تقديرها ماأكتملت هذه الصفحات امتناناً عميقاً وحباً أعمق إلى زوجتي".
ونذكر من أقواله عن المرأة:
- أقسى عذاب لامرأة أن تخلص لرجل لا تحبه!
- الزفاف هو الجنازة التي تشم فيها رائحة الزهور بنفسك!
- كذب: شمس الشتاء، وضحك الأعداء وحب النساء!
- زوجتي كالكمساري عندما أراها أضع يدي في جيبي!

المعلم الأول
حول إبداعاته ومؤلفاته بعثت إليه الكاتبة فاطمة ناعوت رسالة شكر في أحد مقالاتها لأنه هو من جعلها تعشق القراءة وأشادت بأسلوبه الرشيق والبسيط و اكتنازه العميق بالمعلومة والفكرة والإلهام .
أما الكاتب إسماعيل النقيب فقد لقبه بطائر الفكر الجميل الذي تعلم على يده الكثير والكثير ويعتبره المعلم الأول في حياته و يشبهه بأفلاطون و أرسطو وكل فلاسفة الإغريق.
وقالت عنه الكاتبة نوال مصطفى أنهه في كل مرة تتحدث إليه سواء عن طريق قراءة أعماله أو محاورته مباشرة تتأكد أنها ستخرج مشحونة بالأفكار والأسئلة والحماس لإخراج عمل ذو معنى وقيمة.

منصور فى سطور
من مواليد عام 1924 نشأ في قرية مصرية قريبة من مدينة السنيلاوين بمحافظة الدقهلية، وتأثر بالريف المصري جدا، وأعجب بحياة الغجر الذين كانوا أحيانا يزورون قريته، ومنذ صغره كان أنيس منصور متفوقا في كل ماتعلم، وعن أبيه تعلم ألا يقرأ إلا ما يمتعه، فقرأ وقرأ وقرأ، حتى أنهى مكتبات عديدة، وكون ثقافة واسعة وسافر وأبحر بسفن الخيال إلى بحور المعرفة الواسعة ليعود من تلك الرحلات بخبرات ومواقف وآراء ما زال حتى اليوم يعبر عنها. وهو كاتب بارز في جريدة الأهرام المقال اليومي الأكثر قراءة" مواقف" ، ويكتب آيضا في جريدة الشرق الأوسط مقال يومي معنون.

وقد درس الفلسفة وقام بتدريسها في الجامعة، ومنذ ذلك الوقت وهو حريص على شيء واحد.. "الا تكون عبارته فلسفية، وانما ان تكون معانيه فلسفية" اي ان يكون مفهوما لاقل الناس تخصصا وثقافة. ونجح في ذلك.