بسم الله الرحمن الرحيم كلما تأملت في الأخلاق وأنواعها المختلفة وجدت أن كلها بلا استثناء يتمحور حول التفكير بالغير وعدم إيذاء الغير... الصدق، الأمانة، النظافة، الابتسامة، إلخ كل هذه الأخلاق التي جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يتممها تتمحور حول وضع الآخر في اعتبارك عندما تتصرف أي تصرف. وإن قيل لي اختر خصلة واحدة تود أن تراها في المجتمعات العربية والإسلامية لقلت: أن يفكر العربي والمسلم في غيره قبل أي تصرف في اليابان يعتبر (عيباً) أن يرن الجوال في مكان مغلق!! تجد ملصقات (يمنع استخدام الجوال) في كل الأماكن المغلقة من القطارات والمطاعم! لماذا ؟ لأن الياباني يعتبر أن في صوت الجوال إزعاجاً للآخر! لذلك تعجبت من درجة الهدوء في القطارات والمطاعم اليابانية ولم أسمع رنة جوال واحدة في أي قطار خلال الشهر الذي جلسته في طوكيو بل إن اليابانيين يذهبون إلى درجة أبعد من ذلك. تخيلوا ماذا يسمي اليابانيون وضعية (الصامت) في الجوال؟ في الجوال الياباني وضعية الصامت ليس اسمها (صامت) ولكن اسمها وضعية (الأخلاق)!! نعم أعزائي المسمى في الجوال هو وضعية (الأخلاق) لماذا ؟ لأنهم عادوا لجذور سبب وضع الجوال على الصامت وهو الالتزام بالأخلاق اليابانية طبعا كمية ونوعية أصوات الجوال التي نسمعها في كل المساجد تقريبا فحدث ولا حرج..ولا يكاد المسلم يصلي صلاة في المسجد إلا ومن الضروري أن يستمع إلى نغمة أو نغمتين تخرج فجأة من جوالات المصلين!! والأعجب من ذلك عندما تستمر النغمة ولا يقوم صاحب الجوال بإغلاق الصوت لدينا دين عظيم لديه اهتمام شديد بعدم إزعاج الآخر لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى آكل الثوم والبصل عن الصلاة في المسجد!!! انظروا لأي درجة الحرص على الآخر! وأرى الدين الإسلامي كله يتمحور حول عبادة الله التي تؤدي إلى عدم إيذاء الآخر.. والذي يعبد الله ويستمر في إيذاء الآخرين فلم يفهم معنى العبادة ولا أهدافها مع الأسف وأذكر بحديث نبوي لم أتعرف عليه إلا قريبا ولكن معناه أعجبني للغاية وأتمنى أن يعمم (يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين)!! وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث أتباعه بعد ألف وأربعمائة سنة لأنه يعلم أنه سيكون من أمته من يؤمن باللسان ويقرأ القرآن باللسان ويصلي باللسان ويدعو إلى الله باللسان ومع كل هذه الأعمال (التي يؤديها باللسان فقط) يستمر في إيذاء المسلمين! والإيذاء لا ينحصر فقط في أن تضرب شخصا أو تسبه أو تشتمه! فرمي ورقة على الأرض، وتأخرك عن الموعد، وإيقافك السيارة لتأخذ مساحة سيارتين، كلها إيذاء وكلها تنم عن شخص آمن بلسانه فقط دون أن يستقر الإيمان في قلبه وفي تصرفاته للكاتب.. أحمد الشقيري..