تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية يثير مخاوف كثيرة أمام مستقبل التنمية وحياة المواطنين في دول المجلس دولار - حسن العالي من المنامة - 25/01/1429هـ كشفت تقديرات أولية أن اقتصادات الدول الخليجية تكبدت نحو 60 مليار دولار عام 2007 من جراء ارتباط قيمة عملاتها بالدولار الذي انخفضت قيمته في العام الماضي بنحو 10 في المائة، وتشمل الخسائر مبلغ 37 مليار دولار بسبب انخفاض قيمة صادراتها الفعلية و23 مليار دولار على هيئة ارتفاع قيمة وارداتها الفعلية. وخفض الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) مرة أخرى معدل الفائدة الرئيسي بواقع نصف نقطة مئوية من 3.5 في المائة إلى 3 في المائة وهو أدنى مستوى لها منذ حزيران (يونيو) 2005، يأتي هذا القرار وسط قلق من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة ولا سيما مع تفاقم أزمة الرهن العقاري وتداعياتها على القطاعات الاقتصادية الأمريكية، خاصة المصارف التي سجلت في الآونة الأخيرة خسائر بمليارات الدولارات. إلا أن ما يثير قلقا أكبر ومتزايدا في الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية الخليجية هو أن البنوك المركزية في هذه الدول باتت تمارس سياسات نقدية - بحكم أمر الواقع الأمريكي المفروض عليها المتمثل في قيام مصرفها المركزي بتخفيض سعر فائدته بعكس احتياجات اقتصاداتها في الوقت الحاضر، مما يضع حاضر ومستقبل هذه الاقتصادات وبرامج التنمية فيها والواقع الحياتي لمواطنيها موضع تساؤلات مقلقة وخطيرة. ويجمع الكثير من المراقبين على أنه آن الأوان للتعامل مع السياسة النقدية بكل جدية وعلى مستوى ما تنطوي عليه من مخاطر حقيقية يجب عدم تجاهلها تحت أي ذريعة من الذرائع. في مايلي مزيداً من التفاصيل: خفض الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) مرة أخرى معدل الفائدة الرئيسي بواقع نصف نقطة مئوية من 3.5 في المائة إلى 3 في المائة وهو أدنى مستوى لها منذ حزيران (يونيو) 2005. ويأتي هذا القرار وسط قلق من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة ولا سيما مع تفاقم أزمة الرهن العقاري وتداعياتها على القطاعات الاقتصادية الأمريكية وخاصة المصارف التي سجلت في الآونة الأخيرة خسائر بمليارات الدولارات. إلا أن ما يثير قلقا أكبر ومتزايدا في الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية الخليجية هي أن البنوك المركزية في هذه الدول باتت تمارس سياسات نقدية - بحكم أمر الواقع الأمريكي المفروض عليها المتمثل في قيام مصرفها المركزي بتخفيض سعر فائدته – تعاكس احتياجات اقتصادياتها في الوقت الحاضر، مما يضع حاضر ومستقبل هذه الاقتصاديات وبرامج التنمية فيها والواقع الحياتي لمواطنيها موضع تساؤلات مقلقة وخطيرة، يجمع الكثير من المراقبين على أنه آن الأوان للتعامل معها بكل جدية وعلى مستوى ما تنطوي عليه من مخاطر حقيقية يجب عدم تجاهلها تحت أي ذريعة من الذرائع. الخلفيات الأمريكية قرار "الاحتياطي الفيدرالي" بتخفيض معدل الفائدة الأساسي بواقع نصف في المائة نهاية الأسبوع الماضي يعد الخفض الخامس من نوعه منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، والثاني خلال تسعة أيام، وكان "الاحتياطي الأمريكي" قد خفض في 22 الشهر الجاري بشكل مفاجئ معدل الفائدة الرئيسي ثلاثة أرباع النقطة. وكنتيجة منطقية لقرار "الاحتياطي الفيدرالي" حولت أسواق الأسهم الأمريكية اتجاهها وارتفعت نهاية الأسبوع قبل أن تغلق على هبوط، في حين صعدت أسعار السندات الحكومية قصيرة الأجل فترة وجيزة وتراجع الدولار. وتراجعت الأسهم الأمريكية تقودها الشركات المالية بعدما قال معلق تلفزيوني إنه يعتقد أن أكبر شركتين للتأمين على السندات ستخسران تصنيفهما الائتماني الممتاز في خطوة قد تكبد القطاع المالي مزيدا من الخسائر. ويرى محللون أن المركزي الأمريكي سيلجأ إلى سلسلة من التخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة, خاصة في حال أظهرت المؤشرات أن الاقتصاد يشهد بطئا لكنه لم يقع بعد في براثن الركود. سياسيا قال الرئيس الأمريكي جورج بوش إن اقتصاد الولايات المتحدة قادر على استعادة حيويته وسيتغلب على المشكلات مثلما فعل سابقا. وحذر بوش عقب تقرير حكومي أظهر تراجعا للنمو أواخر العام الماضي من علامات على تباطؤ الاقتصاد، مطالبا الأمريكيين في الوقت نفسه بالثقة بقوة اقتصادهم على المدى الطويل. وأظهر تقرير حكومي أن الاقتصاد الأمريكي سجل خلال العام الماضي أدنى معدل نمو خلال خمس سنوات, إذ بلغ 2.2 في المائة. ووافقت لجنة المالية في مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي على خطة لتحفيز الاقتصاد قيمتها 157 مليار دولار تقدم إعفاءات ضريبية أصغر حجما إلى عدد من الأمريكيين أكبر مما تضمنته خطة أقرها الكونجرس الثلاثاء تصل اعتماداتها إلى 150 مليار دولار. وتتضمن خطة مجلس الشيوخ إعفاء ضريبيا موحدا قدره 500 دولار للأفراد وألف دولار للأسر، إضافة إلى 300 دولار لكل طفل، وسيتمتع بالإعفاءات أيضا نحو 20 مليون من المواطنين المسنين من ذوي الدخل المنخفض في الضمان الاجتماعي. وأظهرت أرقام رسمية أن طلبات السلع المعمرة بالمصانع الأمريكية زادت 5.2 في المائة الشهر الماضي, وكانت أكبر زيادة في خمسة أشهر, ما يشير إلى أن تباطؤ الاقتصاد قد يظهر أنه ليس بالشدة التي كانت متوقعة, رغم أن المحللين يحذرون من عدم الإسهاب في قراءة تقرير اقتصادي بعينه. ويراقب هؤلاء مؤشرات أخرى حول الحالة الصحية للاقتصاد الأمريكي, ومنها الناتج المحلي الإجمالي. ويعتقد محللون أن نمو الناتج المحلي الإجمالي انخفض إلى معدل واه يصل إلى 1 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي, وقد يسجل معدلا سالبا في الربع الجاري. ومن المتوقع أن تصدر وزارة التجارة الأمريكية تقريرا هذا الأسبوع حول وضع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام الماضي. لماذا تخفيض سعر الفائدة حيوي للاقتصاد الأمريكي؟ من الناحية الاقتصادية، وبقدر تعلق الأمر بالسياسات النقدية، فإن الهدف من رفع أو تخفيض أسعار الفائدة هو التأثير في حجم الطلب من قبل الشركات والأفراد على البضائع والخدمات. إلا أن معظم الطلب على البضائع والخدمات لا يرتبط بأسعار الفائدة الاسمية المعلنة في الجرائد يوميا ولكن يرتبط بأسعار الفائدة الحقيقية وهي أسعار الفائدة الاسمية مطروحا منها معدلات التضخم المتوقعة. وبالنسبة لـ "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي، فإنه يقوم بوظيفته الرئيسية من خلال التأثير في الاحتياطيات المصرفية. ولكونه المزود الوحيد لهذه الاحتياطيات فإنه يستطيع تحديد أسعار الفائدة عليها. ولكن "الاحتياطي الفيدرالي" لا يستطيع تحديد أسعار الفائدة الحقيقية مباشرة لأنه لا يملك السيطرة على معدلات التضخم المتوقعة. ومن هنا يتضح تأثير خفض أو ارتفاع أسعار الفائدة على الطلب على السلع والخدمات من قبل الجمهور، وذلك من خلال التأثير في تكلفة الاقتراض المصرفي وحجم الأموال القابلة للإقراض من قبل البنوك وممتلكات الجمهور ومعدلات سعر الصرف. فعلى سبيل المثال إن انخفاض سعر الفائدة الحقيقي سيؤدي إلى تخفيض تكلفة الاقتراض مما يشجع أصحاب الأعمال على زيادة إنفاقهم الاستثماري، كما يشجع أصحاب المنازل على شراء البضائع المعمرة مثل السيارات والمنازل الجديدة، علاوة على ذلك فإن تخفيض سعر الفائدة الحقيقي في ظل اقتصاد صحي سيشجع البنوك على إقراض أصحاب الأعمال والمنازل. وهذا سيؤدي إلى زيادة الإنفاق وخاصة من قبل صغار المقترضين. كما أن انخفاض سعر الفائدة الحقيقي يجعل من الأسهم وأشكال الاستثمار الأخرى أكثر جاذبية من السندات وأدوات الدين الأخرى. لذلك تميل أسعار الأسهم للارتفاع. وعندما يجد أصحاب الاستثمارات في الأسهم أن ثرواتهم في الأسهم قد ارتفعت فإنهم يقومون بزيادة حجم إنفاقهم كما أن زيادة أسعار الأسهم يشجع أصحاب الأعمال على زيادات استثماراتهم في المشاريع التوسعية وذلك من خلال إصدار أسهم جديدة. وفي المدى القصير فإن تخفيض سعر الفائدة الحقيقي يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار، مما يؤدي إلى تخفيض أسعار البضائع المنتجة في الولايات المتحدة التي تباع في الداخل أو تصدر للخارج. وهذا يؤدي إلى تشجيع الصادرات كما يؤدي إلى شراء كمية أكبر من البضائع في الداخل، وبالتالي زيادة الإنفاق. وهكذا فإن زيادة الطلب الكلي على الناتج الاقتصادي من خلال مختلف القنوات المشار إليها سيساعد المنشآت الإنتاجية على زيادة الإنتاج وتوظيف المزيد من العمالة مما يؤدي بدوره إلى زيادة الإنفاق على البضائع الإنتاجية من خلال مشاريع التوسع في تلك المنشآت كما أنه يؤدي أيضا إلى زيادة الإنفاق بحكم ارتفاع مستوى الدخل الناتج عن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. أما بالنسبة لتأثير السياسة النقدية في التضخم فإن ما سبق ذكره سيؤدي إلى زيادة الأجور والأسعار بحكم زيادة الطلب على البضائع والأيدي العاملة خصوصا في المدى القصير بالنظر إلى تفوق الطلب على الطاقة الإنتاجية لتلك المنشآت. وفي الواقع فإن السياسة النقدية التي تسعى باستمرار إلى جعل سعر الفائدة الحقيقي عند مستويات منخفضة ستؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدلات التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار الفائدة الاسمي دون إحداث زيادة مستمرة في الناتج الاقتصادي أو تخفيض معدلات البطالة، حيث إن زيادة الإنتاج ومعدلات التشغيل لا يمكن تقريرهما من خلال السياسة النقدية فقط خصوصا على المدى البعيد. كما أن السياسة النقدية تؤثر مباشرة في التضخم، وذلك من خلال توقعات الجمهور بخصوص مستقبل معدلات التضخم. فعلى سبيل المثال إذا قام "الاحتياطي الفيدرالي" بتخفيض سعر الفائدة فإن المستهلكين ورجال الأعمال سيعتقدون أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة ومن ثم سيقومون بطلب زيادات في أجورهم وأسعار بضائعهم. وهذا في حد ذاته سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم حتى في ظل غياب تغير كبير في حجم تشغيل العمالة والناتج الاقتصادي. هذا وتشير البيانات والتقارير الصادرة من الدراسات المستقبلية للاقتصاد الأمريكي إلى أن وضع الاقتصاد الأمريكي في سنة 2008 يتوقع ألا يكون نموه مشجعا، مما سينعكس على الفائدة على الدولار وعلى سعر صرف الدولار، علما بأن سياسة أمريكا المعلنة تفضل أن يكون الدولار عملة قوية على الصعيد العالمي. ولكن قوة الدولار ليس من الضروري أن تقصد به الولايات المتحدة قيمة عالية أمام العملات الأخرى، وإنما تسعى أمريكا أن يستمر العالم في استخدام الدولار كمرجع في التسعير وتنفيذ تعاملات التجارة الدولية واستخدامه كاحتياطي وبما يسهل أيضا حصولها على تمويل من بيع سنداتها على العالم. وقد يكون انخفاض قيمة الدولار إحدى السياسات الاقتصادية المرغوب فيها حاليا في الولايات المتحدة وذلك لزيادة القدرة التنافسية لصادرات أمريكا وكوسيلة لعلاج النمو في الاقتصاد الأمريكي. ولا ننسى أن نفقات الحرب أثقلت عجز الميزانية في الولايات المتحدة، فكان من أسباب انخفاض الدولار المضي في طباعة دولارات أكثر لتمويل العجز وتمويل الحرب على أفغانستان والعراق. الأسواق الخليجية بعد قيام "الاحتياطي الفيدرالي" نهاية الأسبوع الماضي بخفض معدل الفائدة الأساسي بمقدار نصف في المائة، قامت البنوك المركزية الخليجية باتخاذ إجراءات مماثلة، خفضت المملكة العربية السعودية سعر إعادة الشراء العكسي (الريبو العكسي) بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 3 في المائة من 3.5 في المائة وأبقت سعر الريبو ثابتا عند 5.5 في المائة. كما خفضت قطر سعر الإيداع لأجل أسبوع إلى 3 في المائة من 3.5 في المائة, وخفضت سعر الإيداع لأجل ليلة إلى 2.5 في المائة من 3 في المائة. وأبقت قطر على سعر الريبو لأجل ليلة دون تغيير على 5.25 في المائة. وفي الإمارات خفض البنك المركزي الإماراتي سعر الريبو لأجل ليلة بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 3 في المائة. وفي البحرين خفض البنك المركزي سعر تسهيل الإيداع لأجل أسبوع بمقدار نصف نقطة مئوية وأبقى على أسعار الإقراض دون تغيير. كما سبق البنك المركزي العماني الجميع بقيامة يوم الأربعاء بتخفيض سعر الريبو بواقع 61 نقطة أساس والعائد على شهادات الإيداع في أول مزاد. وتحدد عمان سياستها النقدية في المزاد الأسبوعي لشهادات الإيداع. وقد حدد سعر الريبو عند 4.32 في المائة اعتبارا من 30 كانون الثاني (يناير), انخفاضا من 4.93 في المائة قبل أسبوع. وخفض البنك المركزي الكويتي سعر الريبو بمقدار نصف نقطة مئوية يوم الخميس إلى 3.5 في المائة. وأبقى المركزي الكويتي سعر الخصم الأساسي دون تغيير عند 5.75 في المائة بعد خفضه نصف نقطة مئوية الأسبوع قبل الماضي عقب قرار "الاحتياطي الاتحادي" خفض الفائدة ثلاثة أرباع نقطة مئوية. وكانت الكويت دون بقية دون الخليج قد تخلت عن ربط عملتها بالدولار في أيار (مايو) الماضي وتحولت إلى استخدام سلة عملات لحساب أسعار الصرف. وقد ذهبت الكويت إلى أبعد ما ذهب إليه "الاحتياطي الفيدرالي". فقبل قرار التخفيض الأخير، خفض البنك المركزي الكويتي أسعار الريبو 25 نقطة أساس واعتبر ذلك تحركا استباقيا لما هو متوقع من جانب "الاحتياطي الفيدرالي". ومع ذلك خفضت الكويت سعر الريبو 50 نقطة أساس إضافية بعيد قرار "الاحتياطي الفيدرالي". ورغم عدم تعديل سعر الخصم للحد من نمو الائتمان، فإن خفضا في سعر الريبو سيواصل العمل على إضافة السيولة للنظام المصرفي ويمارس ضغوطا تضخمية على أسعار الفائدة بين البنوك. وبالنسبة للسعودية، وبعد قرار خفض الفائدة ما قبل الأخير أوضح محافظ البنك المركزي حمد سعود السياري أنه لا داع لخفض الفائدة نظرا لظروف السيولة القوية والنمو الاقتصادي القوي. وفيما كانت إيجارات المنازل وأسعار المواد الغذائية المحركات الرئيسية للتضخم، يبدو أن مؤسسة النقد كانت حريصة على عدم إضافة مزيد من التحفيز للتضخم. وقد حافظت المؤسسة تاريخيا على علاوة 25 نقطة أساس لأسعار الريال السعودي مقابل أسعار الدولار الأمريكي، إلا أن هذا الفرق ازداد الآن إلى 75 نقطة أساس. ومن شأن هذا الفرق الإيجابي أن يزيد من ظروف التدفقات النقدية للسعودية والضغوط على الريال للارتفاع. وشهد الريال السعودي والدرهم الإماراتي سلسلة مضاربات بعد تخفيض أسعار الفائدة وتوقع السوق أن تلجأ أي من الدولتين إلى إعادة التقييم أو فك الارتباط بالدولار. وقال محللون في أسواق الخليج أن الخفض بـ 50 نقطة أساس في الولايات المتحدة مع احتمال إجراء مزيد من التخفيضات يعني بروز سببين رئيسيين لتطبيق سياسة سعر صرف أكثر مرونة في المنطقة، أولهما السيطرة على السياسة النقدية وثانيهما الحد من تأثير ضعف الدولار. وقالوا إن الخفض الأخير للفائدة الأمريكية سيؤكد مرة أخرى لصانعي السياسات في الخليج مدى الحاجة لإعادة السيطرة على واحدة من أهم أدوات الإدارة الاقتصادية، مشيرين إلى أن الخفض الحاد للفائدة يضع دول الخليج في موقف صعب، خاصة أن الضغوط التضخمية كانت تتصاعد أساسا بسبب النمو الاقتصادي القوي. وأضاف هؤلاء المحللون أن كل من قطر والإمارات هما البلدان التاليان الأكثر احتمالا للتحرك تجاه إصلاح أسعار الصرف، مشيرين إلى تصريحات مسؤول قطري كبير يوم أمس بأن قطر تدرس حاليا الخيارات المتاحة أمامها فيما يخص سعر صرف الريال أمام الدولار الأمريكي. تحذيرات من مخاطر اقتصادية حقيقية في إطار الحديث عن أهمية خفض سعر الفائدة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي لاحظنا كيف أن هذه السياسة تسهم في زيادة الطلب على الخدمات والسلع، وبالتالي تسهم في رفع معدلات التضخم والأجور. كما أنها تسهم في رفع أسعار الأسهم والعقارات. كذلك تؤدي إلى خفض قيمة الصادرات ورفع قيمة الواردات...فهل دول الخليج تريد تحقيق هذه الأهداف من وراء خفض سعر الفائدة؟ هل تريد دول المجلس أن تزيد الطلب على الخدمات والسلع وترفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية أعلى مما هي عليه الآن، ومن يدفع فاتورة هذا الارتفاع؟ أم هل تريد وضع الأسهم والعقارات على صفيح أكثر سخونة وغليانا مما هي عليه الآن.. وهل تريد تخفيض قيمة وارداتها وزيادة قيمة صادراتها.. هذه كلها أهداف – كما يتفق الاقتصاديون والمحللون – تتناقض مع الوضع الاقتصادي الحالي، وتلحق أكبر الضرر به وعلى مستقبل برامج التنمية والحياة المعيشية للمواطنين. وبتقديرات أولية وعامة إذا ما قدرت الصادرات الخليجية بنحو 540 مليار دولار عام 2007 (معهد التمويل الدولي يقدر الصادرات النفطية الخليجية فقط بنحو 381 مليار دولار عام 2007) والواردات الخليجية بنحو 350 مليار دولار، وعلى افتراض انخفاض قيمة الدولار الأمريكي بنحو 10 في المائة عام 2007 أمام العملات الرئيسية، وعلى افتراض أيضا أن ثلثي الصادرات الواردات الخليجية تتم مع غير الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ذلك يعني أن الدول الخليجية تكبدت نحو 37 مليار دولار خسائر على هيئة انخفاض قيمة صادراتها الفعلية و23 مليار دولار على هيئة ارتفاع قيمة وارداتها الفعلية أي 60 مليار دولار عام 2007 من جراء ارتباط قيمة عملاتها الدولار الأمريكي. اقتصاديا، يقول هؤلاء الاقتصاديون إن الإشكالية المترتبة على تخفيض سعر الفائدة على الدولار تتمثل في خلق وضع صعب للسلطات النقدية في دول المنطقة، وخاصة تلك التي مازال اقتصادها يشهد معدلات نمو وتضخم عالية نسبياً. فمن ناحية فإن الارتباط بالدولار يقتضي التماشي مع تخفيض سعر الفائدة بتخفيض مماثل وإن كان بدرجة متفاوتة، وذلك حتى لا تكون الفوارق بين أسعار الفائدة على الدولار وأسعار الفوائد المحلية كبيرة تشجع المضاربين على الاستفادة من هذه الفوارق للعب على أسعار الصرف، خاصة في حالة ضمان استمرار ثبات أسعار الصرف بين الدولار والعملات المحلية. فيما يخص الإشكالية الأخرى المتعلقة باحتمال مزيد من الانخفاض في سعر صرف الدولار المترتب على استمرار عجز الموازين المالية الأمريكية وفقدان مزيد من الجاذبية بسبب انخفاض سعر الفائدة على الدولار، فإن مثل هذه الإشكالية ستؤدي إلى تفاقم التضخم في دول المنطقة المرتبط بارتفاع فاتورة الاستيراد، خاصة أن معظم استيراد دول المنطقة يأتي من مناطق غير دولارية، الأمر الذي سيعمق أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي تشهدها أصلاً المنطقة منذ عدة سنوات، هذا عدا تدهور القوة الشرائية وفقدان مزيد من قيمة استثمارات واحتياطيات المنطقة، إضافة طبعاً إلى تدهور الإيرادات النفطية المسعرة بالدولار، إضافة إلى عدم الوضوح تجاه مشروع السوق المشتركة، والعملة الموحدة حيث تشير أغلب الاتجاهات إلى تأجيل المشروعين إلى أجل غير معروف. ويقول هؤلاء إن هذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها الدورات الاقتصادية للولايات المتحدة والخليج غير متناغمة. ففي أوائل الثمانينيات مثلا كانت أسعار الفائدة الأمريكية أعلى من اللزوم للاحتياجات المحلية الخليجية. إلا أنها المرة الأولى التي يبدو فيها الدولار الأمريكي ضعيفا هيكليا. وكان من إحدى المزايا التاريخية لربط العملات الخليجية بالدولار قوته النسبية واستقراره حيث كان هذا ضروريا لاستقرار العملة وإبقاء التضخم تحت السيطرة. وفي هذا السياق وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحالي فعلى اقتصادات دول الخليج أن تتجنب ما سأصطلح على تسميته ظاهرة التضخم المزدوج الذي تعاني منه دول الخليج حاليا. وينتج التضخم المزدوج في دول الخليج من عاملين أساسيين مرتبطين بالدولار وهما سعر صرف الدولار وسعر الفائدة على الدولار. فلو تم خفض الفائدة على الدولار واستتبعه بخفض الفائدة المحلية مع ثبات سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار وكان سعر صرف الدولار يتهاوى مقابل العملات الرئيسية الأخرى في هيكل واردات الخليج فستنتج من ذلك ظاهرة التضخم المزدوج. هذه الظاهرة من شأنها أن تؤدي إلى فقدان العملة المحلية الكثير من قيمتها الشرائية بسبب أن خفض الفائدة سيؤدي إلى زيادة الطلب الكلي المحلي على السلع المستوردة عند قيمها، وكذلك بروز اتجاه آخر يضغط على العملة المحلية ويغذي التضخم المستورد جراء تدهور سعر الصرف الذي سينعكس على القيمة النهائية للسلع المباعة في الاقتصاد المحلي. ويمكن تخفيف ظاهرة التضخم المزدوج في الوضع الراهن في دول الخليج وذلك بعدم اللجوء إلى تخفيض الفائدة على العملة المحلية حتى لو أقدم "الفيدرالي الأمريكي" على تخفيض سعر الفائدة على الدولار. وتزامنا مع ذلك، يمكن القيام بعمل الضبط اللازم لقيمة العملة وذلك برفع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. ويمضي هؤلاء الاقتصاديون في القول إن المسألة هي ليست كيف ستواجه دول الخليج انخفاض الدولار .. بل كيف تستطيع التكيف مع المتغيرات الجديدة للعملة الأمريكية، موضحين أن المسألة الأساسية هي أن معظم عائدات دول الخليج النفطية هي من الدولار جراء بيع النفط، وبالتالي فإنه لا مهرب من الاعتراف بأن الدولار سيظل مسيطرا على حركة اقتصاداتنا رغم تعثره أو تراجعه في الأسواق، حيث إن دول الخليج ما عدا المملكة العربية السعودية غير قادرة على السيطرة على الوضع الجديد للدولار والسبب هو صغر اقتصاداتها ومحدودية شركائها التجاريين بعكس السعودية صاحبة أكبر الاقتصادات الخليجية والعربية والإقليمية في المنطقة التي تواجه بالفعل ضغوطا تضخمية بسبب تراجع الدولار، إلا أنها قادرة على مواجهة هذه الضغوط بآليات مالية واقتصادية لاحتواء هذه المتغيرات. من هنا يتفق الاقتصاديون في الخليج على أن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه موقفا صعبا للغاية في الوقت الحاضر، مشيرين إلى أن أمامها خيارين لا ثالث لهما هما إما فك الارتباط بالدولار لمرة واحدة لتعديل أسعار الصرف أو الارتباط بسلة عملة تجارية الوزن. وأضافوا أن السلة ستكون أكثر فائدة على المدى البعيد، حيث إن إجراء إعادة ربط العملة فقط سيعني أن على أسعار الفائدة في منطقة الخليج مواصلة اتباع أسعار الفائدة الأمريكية وأن التضخم المستورد سيزداد إذا استمر تدهور الدولار بعد إعادة التقييم مرة واحدة. وحتى يحين موعد إنضاج القرار المطلوب، يرى هؤلاء الاقتصاديون أن تعويض الإضرار الاقتصادية من جراء الارتباط بالدولار بزيادة الإيرادات النفطية حقق مكاسب كثيرة لكنها لم تصل بشكل فاعل للمواطن الخليجي الذي بات يحس بوطأة ارتفاع الأسعار بشكل حاد، وعلى حكومات دول المنقطة أن تبحث في إيجار قنوات فاعلة وأكثر تأثيرا لإيصال تلك المكاسب إلى المواطن العادي، وإلا فإن ارتفاع الإيرادات النفطية سيتحول إلى نقمة على المواطن وليس نعمة؟