مثل الليره الذهبيه ************ ***** يُحكى أنَّ رجلاً ميسوراً ، كان له ولد وحيد ، بالغتأمُّهُ في تدليله والخوف عليه ، حتى كبر ، وأصبح شابَّاً ، لايتقن أيَّ عمل ، ولايجيد سوى التسكع في الطرقات ، واللهو واقتراف الملذَّات ، معتمداً على المال الذيتمنحه إيَّاه أمُّهُ خفيةً ، ودون علم والده ! وذات صباح ، نادىالأب ولده ، وقال له : كبرت يابني ، وصرتَ شابَّاً قويَّاً ،ويمكنك ، منذ اللحظة ، الاعتماد على نفسكَ ، وتحصيل قوتِكَ بِكَدِّكَوعرق جبينك . قال الابن محتجَّاً : - ولكنني لا أتقنُ أيَّ عملٍياأبي ! قال الأب : يمكنك أن تتعلَّم .. وعليكَ أن تذهب الآن إلى المدينة وتعمل .. وإيَّاكَ أن تعود منها قبل أن تجمع ليرةًذهبيةً ، وتحضرها إليَّ ! خرج الولد من البيت ، وما إن تجاوزالباب ، حتى لحقت به أمُّه ، وأعطته ليرة ذهبية ، وطلبت منه أن يذهب إلى المدينة ،ويعود منها في المساء ، ليقدِّم الليرة إلى والده ، ويدَّعي أنَّهُ حصل عليها بعملهوكَدِّ يده ! وفعل الابن ماطلبت منه والدته، وعاد مساءً يحملالليرة الذهبية ، وقدَّمها لوالده قائلاً : لقد عملتُ ،وتعبتُ كثيراً حتى حصلت على هذه الليرة . تفضل ياأبي ! تناول الأبالليرة ، وتأملها جيِّداً ثم ألقاها في النار المتأججة أمامه في الموقد ، وقال : إنَّها ليست الليرة التي طلبتها منك . عليكَ أن تذهب غداً إلىالمدينة ، وتحضر ليرةً أخرى غيرها ! سكتَ الولد ولم يتكلم أو يحتجعلى تصرُّف والده ! وفي صباح اليوم الثاني ، خرج الولد يريد المدينة، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمه ، وأعطته ليرة ثانية ، وقالت له : لا تعد سريعاً . امكث في المدينة يومين أو ثلاثة ، ثم أحضرالليرة وقدِّمها لوالدك . تابع الابن سيره ، حتى وصل إلى المدينة ،وأمضى فيها ثلاثة أيام ، ثم عاد ، وقدَّم الليرة الذهبية لوالده قائلاً : عانيتُ وتعذَّبتُ كثيراً ، حتى حصلتُ على هذه الليرة . تفضَّلياأبي ! تناول الأب الليرة ، وتأملها ، ثم ألقى بها بين جمر الموقدقائلاً : - إنها ليست الليرة التي طلبتها منكَ .. عليكَ أن تحضرغيرها يابني ! سكتَ الولد ، ولم يتكلم ! وفيصباح اليوم الثالث ، وقبل أن تستيقظ الأمُّ من نومها ، تسلل الابنُ من البيت ، وقصدالمدينة ، وغاب هناك شهراً بأكمله ، ثمَّ عاد يحمل ليرة ذهبية ، وقد أطبق عليها يدهبحرص كبير ، فقد تعب حقَّاً في تحصيلها ، وبذل من أجلها الكثير من العرق والجهد . قدَّم الليرة إلى أبيه وهو يبتسم قائلاً : أقسم لكَ ياأبي أن هذه الليرة من كدِّ يميني وعَرَقِ جبيني .. وقد عانيت الكثير فيتحصيلها ! أمسك الأب الليرة الذهبية ، وهمَّ أن يُلقي بها فيالنار، فهجم عليه الابنُ ، وأمسكَ بيده ، ومنعه من إلقائها ، فضحك الأب ، وعانق ولده ، وقال : الآن صِرتَ رجلاً ،ويمكنك الاعتماد على نفسكَ يابني ! فهذه الليرة هي حقَّاً ثمرة تعبكَ وجهدك ،لأنَّكَ خفتَ على ضياعها ، بينما سَكَتَّ على ضياع الليرتين السابقتين ... فَمَنْ جاءهُ المال بغير جهد ، هان عليه ضياع هذا المال .