نماذج من العرافة والكهانة كهان الإغريق والمصريين من أشهر مراكز التنبؤ في العالم القديم مركز ( دلفي ) في بلاد الإغريق , وكان اليونان يقصدون هذا المركز لاستشارة الكهنة فيما ينوون القيام به من أعمال , وكانوا يعظمون هذا المعبد , ويغمرون مذابح المعبد بالهدايا والقرابين وقد كان مركز ( دلفي ) يمتاز بالساحات الواسعة , ومحلى بالنوافير والمعابد الجميلة وبه ( أستاد ) عظيم ومسرح فخم وتماثيل مصنوعة من الرخام , وأخرى من البرونز أو الذهب , وأبدع رسومه أكبر الفنانين في عصره .. وأشهر كاهنات ( دلفي ) كانت تدعى ( بيثا ) , وكان من دأبها أن تلوك بين أسنانها بعض أوراق شجر الغار , وتستنشق الغازات التي كانت تنبعث من شقّ في الصخر أسفل الكرسي الذي كانت تجلس عليه , وتشرب من مياه نبع ( كاسوتس ) فتعتريها شبه غيبوبة وتهذي بكلام ينبىء عما سيقع من أحداث في مستقبل الأيام .. وأقدم من هذا المركز في اليونان مركز كهانة ( دودونا ) في جنوب مقدونيا وكان هذا المركز يقوم وسط مرج من أشجار البلوط , وكان الاعتقاد عند أهل ذلك العصر أن حفيف تلك الأشجار يحمل في طياته إرادة الإله ( زيوس ) ومشيئته .. وكان الكهنة الدجالون يقومون بتفسير تلك الأصوات التي تنبعث من أوراق تلك الأشجار , ويعدونها الإجابة المنشودة عن الأسئلة التي كانت تنهال على الكهنة في ذلك المركز من قبل الوافدين إليهم من جميع أنحاء اليونان استنباء عما يخفيه القدر عنهم من أمور وأحداث .. ومن مراكز الكهانة الشهيرة في العالم مركز ( آمنون رع ) في مصر , ويرجع تاريخ هذا المعبد الشركي إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد , وكان الشيطان قد عشش في ذلك المركز وباض , وكان يظهر للناس في شكل طيف يمثل الإله يتحدث إلى الناس , ويسمع الأسئلة ويجيب عنها , ويقال إن الإسكندر الأكبر عندما زار معبد ( آمنون رع ) في صحراء مصر خرج إليه ذلك الطيف وخاطبه قائلا : " إني أعدك بأنك تملك البلاد جميعا وتخضع لك جميع الأديان " وهؤلاء الكهان يزعمون أنهم يوحى إليهم , وهذا صحيح , ولكنه ليس بوحي رحماني بل وحي إبليسي شيطاني , قال تعالى : ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) والشيطان عندما يوحي إلى هؤلاء الكهان " كما هو مشاهد من أحوالهم " فإنه يُغشي على الواحد منهم , ويذهب عقله , ويأخذ في الهذيان , ويتكلم في حال غشيته , والمتكلم هو الشيطان ينطق بلسان الكاهن , ويجيب عما يسأل عنه , وعندما يفيق هذا الكاهن لا يدري عما سئل عنه وما أجاب به حال غشيته شيئا , وهذا كله مخالف لحال الرسل وعن كيفية وحي الله تعالى إليهم وكيف يكون حالهم عند الوحي .. فالرسول لا ينطق حال الوحي , ويكون الوحي نماء في جسده بحيث يثقل جسده ويتفصد جبينه عرقا , وهذا بخلاف حال الكاهن الذي يصفر وجهه ويضعف جسده وتنحل قواه , ويتحدث في حال غيبوبته , ولا يدري عما تحدث به بعد أن يفيق من غيبوبته شيئا .. وقد فسر سقراط هذا الهذيان , بأنه هبة خاصة من السماء , ومنبع من أعظم النعم بين البشر .. وكذب سقراط فإن هذا الهذيان وحي الشيطان لا وحي الرحمن وهو نقمة تغضب الرحمن وليس نعمة من الله سبحانه واشتهر أيضا في البلاد المصرية معبد ( هليوبوليس ) وكان الناس يفدون إليه في كل بلد لاستشارة كهنته في أهم أمورهم , والمعروف أن الامبراطور الروماني ( تراجان ) أرسل قبل أن يشترك في حرب ( برثيا ) وفدا إلى هذا المركز لاستشارة كهنته في مصير هذه الحرب .. ويذكر التاريخ أن الكهنة أجابوا إجابة صامته وذلك بأن أرسلوا إلى ( تراجان ) غصن كرم مكسور دون أي تعليق أو شرح .. وقد قتل هذا الامبراطور في هذه الحرب وحمل جثمانه إلى روما .. كهان العرب كان الكهان منتشرين في الجزيرة العربية قبل الإسلام , وكانت لهم مكانة كبيرة عند العرب , وكان العرب يلجؤون إليهم لاستشارتهم في الأمور المعضلة , كما كانوا يستعملون منهم عن أمور الغيب , والأحداث التي تقع في مقبل الزمان .. روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ( كان الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد , وفي أسلم واحد , وفي كل حيّ واحد , كهان ينزل عليهم الشيطان ) وكانوا يتعاطون " بالإضافة إلى ما سبق " الطب ومداواة المرضى , وقد أثبت هذا العرب في شعرهم , وفي هذا يقول أحد شعرائهم : فقلت لعراف اليمامة داوني فإنك إن داويتني لطبيب وقال الآخر جعلت لعراف اليمامة حكمه وعراف نجد إن هما شفياني فقالا شفاك الله والله مالنا بما حملت منك الضلوع يدان وعراف اليمامة هو رباح بن عجلة , وعراف نجد هو الأبلق الأسدي ولم تكن الكهانة والعرافة وقفا على الرجال عند العرب , بل مارستها النساء أيضا , وقد عرف من الكاهنات العربيات في الجاهلية " ظريفة الخير " كاهنة حمير , " وسلمى الهمدانية وعفراء حمير وفاطمة بنت مرّ الهمدانية وسجاح التي ادعت النبوة .. ومن أشهر كهان العرب في الجاهلية شقّ وسطيح وخنافر بن التوأم الحميري وسواد بن قارب الدوسي
لتواصل abomajeda@