النهر إذا لم يتجدد في اندفاع مياهه،ويتغير كل لحظة في مد روافده، ويحوّل ذاته إلى حلم، فهو لا يختلف في المطلق عن أي مياه مبتذلة تتجمع لتنشر كثيراً من الأوبئة، وعفناً من الروائح النتنة، وبالتالي يفقد صفته المتجددة بوصفه حالة نماء، وخصب، وعطاء، وتدفق يبعث الحياة، ويعطيها مضامينها في إبهار الخلق، والإبداع، والنمو، وحالات التجدد. أنت، لست أنت قبل سنوات. تقف أمام المرآة الآن لتتعرف إلى نفسك، تقرأ تقاسيم وجهك، تنظر إلى المتغيرات في مظهرك، وتغوص - أحياناً - إلى داخلك. فتجد أنك لست أنت. ربما لا تشبه الشخص الذي كان قبل سنوات. ربما لا تعرف الصورة التي تراها في المرآة، ولمن هي، أشياء، وتضاريس، وتكوينات تغيرت، تبدلت، ربما صارت حلماً، أو تحولت إلى حالة رثاء، وإشفاق. شيء واحد ربما تغير إلى الأروع، والأفضل، والأحسن هو وعيك الذاتي، مخزونك من التجارب، والوعي، والثقافة الإنسانية، والحكمة، وربما - أيضاً - وهذا محزن ومؤلم تغير إلى الأسوأ، إلى العفن، والتبلد، والتسطح، والجهل. وهذا يعود إلى روافد الثقافة والوعي والتنوير والمعرفة التي نختارها، ويعود - أيضاً - إلى العقل وتوظيفه، هل هو يعمل بانفتاح ووعي، يقبل ويرفض، يحلل من خلال منهجية عاقلة ويقول أحكامه بصدق وشفافية، أم هو معطل يجتر الموروث البليد من الثقافة الاجتماعية البسيطة، والعادات والتقاليد التي كانت صالحة في زمن، ويأخذ النصوص من خلال تلقين دون أن يُخضعها للتفكيك والتشريح والقراءة الواعية التي تهدف إلى إثراء الثقافة والمعرفة؟ الزمن يغير الأشياء. والزمن هو الحالة التي تنقلنا إلى مواطن الإبداع - إذا كان لدينا الاستعداد - أو يبقينا أسرى التخلف، والجهل، والانسدادات الحضارية والفكرية. والتاريخ يتحرك، والخطأ أن نظل جامدين لا نتفاعل معه. اخوكم العزيزي المغترب