منتدى بني عزيز الرسمي من مطير - الأخــــدود أول محرقة في تاريخ البشرية

العظام السوداء والاحجار المتفحمة تبوح بأسرار الموقع
الأخــــدود أول محرقة في تاريخ البشرية

جولة : عبدالله عبيان تصوير: قايد آل جعرة 1
تطل مدينة الأخدود الأثرية بوجهها التاريخي من بين غابات اشجار الاراك في منطقة شهدت اقدم محرقة في تاريخ البشرية لتحكي لنا تفاصيل حضارة بادت ولم تستطع آلاف السنين طمس معالمها ونقوشها ,حيث ان العظام الهشة السوداء والاحجار المتفحمة والاخاديد مازالت شاهدة على الحريق الهائل الذي اصاب المدينة في عام 525 م وورد ذكره في القران الكريم,ويعود تاريخ الاخدود الى الفترة الممتدة من 500 ق.م الى منتصف القرن السادس الميلادي .
القلعة عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور بطول 235م يمثل نظام تحصين كان معمولا به في مدن جنوب الجزيرة العربية بحسب ما اوضحه لنا صالح آل مريح مدير ادارة الآثار بمنطقة نجران الذي قال ان السور يحتوي على نتوءات وتجاويف عشوائية وغير منتظمة بمساحات متفاوتة. ويتميز هذا النظام بان المباني الواقعة على السور تندمج في السور لتشكل جدرانها الخارجية جزءا من المحيط الدفاعي الخارجي للسور على ان هذه المباني في الغالب تكون جدرانها اعرض وتصل الى 150 سنتيمترا بينما العرض السائد للمباني الداخلية يتراوح بين 80 سنتيميتراً- 110 سم , واستطرد ال مريح قائلا: اما داخل السور فتنتشر مجموعة كبيرة من المباني التي تتفاوت حالاتها من حيث درجة تأثير عوامل التعرية والزمن عليها حيث بنيت الاجزاء السفلية لها من كتل حجرية منحوتة على شكل واجهات مستطيلة او مربعة باحجام متفاوتة يبلغ طول واجهات بعضها حوالى 350سم، كما ان الاجزاء العلوية من هذه المباني على الارجح كانت مبنية من الطين اللين او الطوب اللبن وتمثل عدة ادوار وتحولت حالياً الى كميات من الركام .
أسباب المحرقة
وعن الخنادق التي اضرمت بها النار والتي اشار اليها القرآن الكريم في قصة أصحاب الاخدود يقول آل مريح: سميت الاخدود بذلك الاسم نسبة للحفرة التي أمر الملك الحميري ذو نواس ملك اليمن واسمه زرعة بن تبان اسعد أبو كرب بحفرها وتجميع الحطب بها لحرق من اعتنق "المسيحية"
حيث دعا ذو نواس أهل نجران للعدول عن ديانتهم النصرانية والعودة إلى الديانة اليهودية، التي كان يدين بها، فأبوا، فأمر بخد أخدود عظيم في الأرض. وكان الناس يعرضون على النار، ويساومون على التراجع عن دينهم لاتقائها، فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون. وجاءت امرأة بابن لها ترضعه وكأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الطفل "اصبري يا أماه فإنك على الحق". وقد روت بعض المصادر التاريخية ان عدد الشهداء في ذلك اليوم بلغ قرابة 20 ألفاً، وظلت نجران على مسيحيتها حتى دخلت الإسلام في السنة العاشرة من الهجرة".
واوضح ال مريح ان الهيئة العامة للسياحة تحاول الآن كشف الحفرة او الاخدود الذي تم فيه الحرق عبر عمليات التنقيب، والثابت لدينا أن الحريق كان هائلا وقويا جدا حيث انه اشعل المدينه بكاملها، و مازال رماد الحريق موجودا بالاضافة الى عظام البشر والحيوانات التي احرقت.
4 مواسم تنقيب
ونظراً لاهمية هذا الموقع من الناحية التاريخية الاثرية فقد قامت وكالة الآثار والمتاحف بالعديد من الانشطة تمثلت في اربعة مواسم تنقيب كما ذكر لنا مدير ادارة الآثار بنجران حيث كان الاول في عام 1402هـ وقد شهد اجراء حفرية داخل القلعة اسفرت عن نتائج ايجابية ساهمت في اعطاء معلومات تاريخية وحضارية عن الموقع تم الاعتماد عليها في العرض المتحفي بمتحف نجران، وكان الموسم الثاني في عام 1417هـ حيث اسفرت عن اكتشاف مسجد شمال شرق القلعة يعد اقدم مسجد في المنطقة حتى الآن ويعود تاريخه الى القرن الاول الهجري "السابع/الثامن الميلادي". اما في الموسمين الثالث والرابع فقد تمت في عامي 1421هـ و1424هـ واسفرت عن نتائج واكتشافات ايجابية تدل على غنى هذا الموقع وأهميته التاريخية والاثرية وتفرض في نفس الوقت ضرورة استمرار اعمال التنقيب بشكل منظم.
جهود السياحة والامارة
وواصلت الهيئة العامة للسياحة والآثار اعمال التنقيب في موقع الاخدود لهذا العام 1429 هـ وتعمل على تهيئة الموقع وتجهيزه للسياح وتسهيل تنقلهم بين اجزاء القلعة بمتابعة مستمرة من الأمين العام للهيئة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الذي وجه بتفعيل اقتراحات امارة منطقة نجران ممثلة في امير المنطقة الامير مشعل بن سعود بن عبدالعزيز الذي كان لاهتمامه دور فاعل في استنهاض الهمم لمواصلة اعمال التنقيب وتنشيط السياحة وابراز هذا المعلم التاريخي بالشكل الذي يليق به.
الاكتشافات السابقة
لقد قام المؤرخون والرحالة العرب بكتابة عدد من الكتب التي تناولت الوصف العام لنجران والاخدود ففي تاريخ المستبصر "لابن مجاور الجزء الثاني" ورد ذكر المنطقة وسكانها لكنه اورد ان المنطقة كانت مهجورة، وقد جاء في المعجم لابن البكري ان مدينة الاخدود كانت عبارة عن اطلال ولم يتبق بها شيء سوى مسجد كان قد بناه عمر بن الخطاب ولعل نيبور وهو اول رحالة غربي يذكر الموقع وهو القائل في عام 1763م بان "عاصمة هذه المملكة الصغيرة هي ندزجران، وهي مدينة صغيرة مشهورة في التاريخ العربي" ومهما يكن من امر فان "هاليفي" هو اول رحالة غربي قد زار الموقع والواحة بالفعل في عام 1870م ووصف الاطلال وقام بقراءة المناسيب وكرر ما ذكره البكري من قبل بان مسجد عمر بن الخطاب هو المبنى الوحيد الذي كان لا يزال باقياً.